بحث حول نظرية إتخاذ القرار

نظرية اتخاذ القرار

مقدمة:

يعد اتخاذ القرار جوهر كل عملية إدارية، حيث شاهدا هذا الأخير عدة تطورات من خلال المدارس الفكر الإداري، من وجهات نظر متباينة ورغم اتفاق جميعهم على مدى أهمية اتخاذ القرار داخل المنظمة، لكن كان لكل منهم فكر ووجهة نظر مختلفة حول تطبيق ونماذج ومراحل اتخاذ القرار، وسنتعرف على اتخاذ القرار من وجهة نظر اهم المدارس الفكر الإداري وهي المدرسة الكمية (اتخاذ القرارات).

حيث تكمن أهمية اتخاذ القرار في اعتبارها جوهر كل عملية إدارية، ونقطة الانطلاق بالنسبة لجميع العمليات والنشطات الإدارية الأخرى.[1]

وهذا تكمن الإشكالية الاتية: ماهي النماذج المتبعة لهذه النظرية ومراحلها في اتخاذ القرار؟، وهذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال هذا المبحث.

وفي ضوء هذه الإشكالية تم طرح الأسئلة الفرعية

·        ماهي هذه النظرية ومن قائدها؟

·        ما هو مفهوم اتخاذ القرار واهميته؟

·        فيما تتمثل نماذج اتخاذ القرار ومراحله؟


 

المطلب الأول: مدخل الى نظرية اتخاذ القرار

1/ مفهـوم النظريـة

 تقترن هذه النظرية باسم "هربرت سيمون" حيث يرى أن جميع العمليات التنظيمية تدور حول اتخاذ القرارات وأن السلوك التنظيمي ما هو إلا نتيجة لاتخاذ القرارات،[2] وهي احدى الأطر الفكرية الصريحة التي تدرس القرارات.

لقد جات نظرية اتخاذ القرارات داخل المنظمة كرد فعل لانتقادات الموجهة للمدرسة الكلاسيكية في دراستها للتنظيم ومدرسة العالقات الإنسانية وقصورها في إعطاء صورة واضحة للسلوك الإنساني داخل المنظمة ويعتبر هربرت سيمون من أبرز روادها نظرا لإنتاجه العلمي في مجال المنظمات حيث يعرف التنظيم على أنه وحدة اجتماعية أو هيكل مركب من العالقات والاتصالات التي تتجسد في قيم واتجاهات الأفراد التي تحتم عليه اتخاذ القرارات وبالتالي فإن هده الأخيرة هي العملية الأساسية للسلوك والأداء في المنظمات ومن هنا قدم سيمون إطارا لنظرية تنظيمية تختلف عن النظرية الكلاسيكية، فدرس المنظمة من حيث تحقيقها أهدافها وحلل جزئياتها من خلال ربط العمليات التنظيمية المتمثلة في السلطة والعملية الإشرافية بعملية اتخاذ القرارات، وتنطلق هذه النظرية من مبدا أساسي هو الاختيار بين البدائل لحل المشكلات التي تواجه تحقيق أهداف التنظيم.[3]

2/ تعريف بقائد النظرية (هربرت سيمون)

ولد هيربرت سيمون في ميلووكي بولاية وسكونسين الأمريكية في 16 يونيو عام 1916 وتوفي في 9 فبراير 2001 م وتلقى تعليمه في جامعة شيكاغو وحصل على البكالوريا عام 1936 والدكتوراه في العلوم السياسية في عام 1943 وحصل على درجات شرف في القانون والعلوم من عدة جامعات. وتقلد سيمون العديد من الوظائف الاستشارية والتدريسية عبر البلاد، بما في ذلك عمله كبروفسور زائرا في عدة جامعات، لكن ارتباطه الرئيسي كان في كلية الدراسات العليا للإدارة الصناعية في جامعة ميلون. وقد كتب سيمون في مواضيع متنوعة مثل التخطيط البلدي والسلوك الإداري ولا تزال أعماله في الإدارة العامة تدرس في كثير من الجامعات.

المطلب الثاني: مـفهوم واهـمية اتـخـاذ القرار

1/ مفهوم اتخاذ القرار

ان تصرفات الافراد وجهودهم قد تكون نتيجة التفكير او نتيجة لاشعور فإذا كانت تصرفات الافراد قد حدثت بعد تفكير، قيل ان الافراد اتخذوا قرارا، اما إذا كانت التصرفات لا شعورية (او مجرد رد فعل لاشعوري) فانه لا يمكن القول بان الافراد اتخذوا قرارا، فالأساس في اتخاذ القرار هو (اختيار) تصرف معين بعد دراسة وتفكير.[4]

لقد حظي مفهوم اتخاذ القرار بأهمية استثنائية في مختلف المجلات والأنشطة الإدارية إذا انه يسهم بشكل أساسي في تمكين المنظمة من مواصلة أنشطتها التنظيمية والإدارية بكفاءة وفعالية، إذا اتخاذ القرار هو اختيار بين مجموعة حلول مطروحة لمشكلة ما او ازمة تسيير عمل معين.[5]

[6]كما انه هناك عدة تعريفات نذكر منها:

تعریف1: هو عملية اختيار أحسن البدائل المتاحة بعد دراسة النتائج المتوقعة من كل بديل وأثرها في تحقيق الأهداف الطلوبة.[7]

تعريف2: هو عملية حذر لبديل من بين مجموعة بدائل بحيث يحقق هذا البديل اقصى عائد باستخدام نفس المواد. [8]

حيث عرفه هاربت سيمون على انه " اختيار بديل معين من البدائل لإجاد الحل المناسب لمشكلة جديدة ناتجة عم عامل متغير، وهو جوهر النشاط التنفيذي في الاعمال".

ان عملية اتخاذ القرار تمثل المرحلة الأخيرة من مجموعة المراحل التي تشكل عملية صنع القرار.[9]

2/ أهمية اتخاذ القرار

تعد عملية اتخاذ القرار جوهر الأداء السليم لمختلف المديرين وفي مختلف المستويات الإدارية إذا انها ترتبط بالوظائف الإدارية التخطيط والتنظيم والتحفيز والرقابة ويكمن القول ان نجاح هذه الأنشطة يرتبط ارتباطا عضويا بأهمية القرارات التي ينبغي ان يتم اتخاذها لتسيير مختلف المهام والأنشطة الإدارية والتنظيمية المطلوبة، إذا ان اتخاذ القرار يرتبط بجميع العمليات الجارية في المنظمة.[10]

وكما انها تتمثل ايضا في نوعين العلمية والعملية أولا من ناحية العلمية وتجلا في تجسيد، تكيف، تفسير وتطبيق الأهداف والسياسات والاستراتيجيات العامة في المنظمة وتجميع المعلومات للوظائف الإدارية عن طريق التكنولوجيا ومختلف الطرف والوسائل، اما العملية تتمثل في كشف عن سلوك وموقف القادة والرؤساء الإداريين وتعتبر ميدانا واسعا للرقابة الإدارية.

المطلب الثالث: نـماذج ومراحل اتـخـاذ القرار

1/ نماذج اتخاذ القرار

يعرف نموذج اتخاذ القرار بأنه الطريقة التي يتم فيها عملية اتخاذ القرار، وفي الحياة العملية نلاحظ نماذج متعدد لاتخاذ القرارات ولكل منها مؤيدوه ومنتقدوه، أي لا يوجد نموذج مثالي كامل لاتخاذ القرار، لان القرار المثالي يجب ان يكون قادرا على وصف اعقد الحلات التي تصادف عملية اتخاذ القرار وأبسطها.[11]

انطلاقا من أهمية الدور الذي تؤديه القرارات وحيويتها في نجاح المؤسسات على اختلاف أنواعها،[12] وتوجد العديد من نتائج سنذكر أهمها ممن ميزهم هربرت سيمون وهما نموذج الرشد الكامل (تام)، ونموذج الرشد المحدود.

1.1   نموذج الرشد الكامل (التام)

يسمى نموذج الرجل الاقتصادي ويعد أكثر النماذج التقليدية قدما في اتخاذ القرارات ويتركز على أفكار المدرسة التقليدية في الاقتصاد من أهمها:[13]

·        يعمل متخذوا القرارات في بيئات التأكد التام.

·   يمتاز متخذوا القرار بالرشد التام حيث انهم يستطيعون مراقبة بيئة القرار بشكل واضح فيحددون المشكلة واهداف القرار بدقة.

·        يستطيع متخذوا القرار معرفة جميع الخيرات المحتملة والنتائج المترتبة عليها.

·   يمتلك متخذوا القرار الفرصة الاختيار البديل الذي يحقق أفضل النتائج وهذا النموذج الرشد يتركز على فرضيات أربعة:

v    اهداف المقررة واضحة.

v    الفرد يقوم باختيار بين الحلول ممكنة.

v    البدائل جد محددة ومعلومة لديه.

v    نتائج مختلفة البدائل معلومة.

وبموجب هذا النموذج يقوم المدير بالخطوات المتتابعة الاتية(بالترتيب):[14]

1.     تعريف المشكلة(التحري)

2.     وضح حلول وتقويمها(التصميم)

3.     اختيار الحل الأنسب

4.     التنفيذ ومتابعة

ويتسن هذا النموذج الى افتراض ان المدير يحاول تحقيق الأمثل والأفضل حين اتخاذ إقرار ما من خلال تطوير أفضل حل ممكن، وهذا النموذج حسب رأي سيمون يفترض ان المدير:[15]

·        لديه معرفة وعلم التام بجميع البدائل

·        لديه معرفة كاملة عن نتائج كل بديل

·        لديه منظومة ثابتة من الافضليات لهذه النتائج

·        يملك مقدر الحسابية لمقارنة النتائج وتقدير الافضل

2.1 نموذج الرشد المحدود

فبعد ان أدرك سيمون ان هناك محددات عقلية ومعرفية تحدد قدرة الانسان على جمع المعلومات ومعالجتها، وقد أكد أيضا ان الرشد الكامل مناقض ومخالف للواقع واقترح الرشد المحدود لان مدير يواجه قيود ومحددات كثيرة في عملية اتخاذ القرار، حيث ان الرشد المحدود يبحث عن القرار الذي يحقق الرضا للمدير وليس الرشد المطلق الهادف الى تعظيم المنفعة القصوى.

وفق هذا النموذج يسعى المدير للوصول الى القرار معقول (مرض وليس مثاليا)، يتوقف بحثه عن البدائل عند توصله الى البديل المعقول يعتقد انه مناسب على رغم من احتمال وجود بدائل أفضل، ويعرف بالنموذج المفتوح لاتخاذ القرار الذي يتخذ الرجل الإداري، وهذا النموذج يتميز لان عملية اتخاذ القرار فيه تتم بصورة ديناميكية ضمن اطار عار في هدف محدد وبدائل معينة لتحقيقه ، حيث يرى ان سيمون ان هذا هو النموذج السائد في المؤسسات وهذا بسبب صعوبة حصر البدائل وكذا معرفة النتائج لكل بديل، بسبب الوقت والجهد والقدرة الذهنية التي تطلبها عملية اتخاذ القرارات المثلى بطريقة راشدة وهذا إضافة الى عوامل غير رشيدة مثل اخلاق متخذ القرار وشخصيته وميوله ودوافعه.[16]

2/ مراحل اتخاذ القرار

1.2 المرحلة الأولى: تشخيص المشكلة: من الأمور المهمة التي ينبغي على المدير إدراكها وهو بصدد التعرف على المشكلة الأساس وابعادها، هي تحديده لطبية الموقف الذي خلق المشكلة ودرجة أهمية المشكلة، وعدم الخلط بين أعراضها وأسبابها، والوقت الملائم للتصدي لحها واتخاذ القرار الفعال والمناسب بشأنها.[17]

2.2 المرحلة الثانية: تحديد البدائل: هي وسيلة الحل المتاحة امام المدير لحل المشكلة المطروحة أو بمعنى اخر، قرار مقترح يؤخذ في الاعتبار الى جانب القرارات أخرى مقترحة بقصد المقارنة والتحليل حتى يتم اختيار واحد منها فيصبح هذا القرار ومن هذا المنطق لابد ان يتوفر شرطان هما:

الأول: ان يسهم الحل البديل في تحقيق بعض النتائج التي يسعى اليها متخذ القرار، الثاني: ان تتوفر إمكانيات تنفيذ هذا الحل حال اختياره دون البدائل، وعدم توفر أي من هذين الشرطين عن الحل صفة البديل القابل للاختيار.[18]

3.2 المرحلة الثالثة: تقيم البدائل:[19] وهــي عملية شــاقة يقوم بهــا المخططــون أو الإداريون ذو الخبرة في هذا المجال، وغرضهم من ذلك هو تدريج بدائل الحلول للمشكلة حسب أهميتها.

وعادة ما يقوم المخطط في هذه العملية بتقدير النتائج الإيجابية والسلبية المتوقعة من كل بديل على حدة، ويعتمد تقدير النتائج على ثلاثة عوامل أهمها:

·        خبرة متخذ القرار في هذا المجال.

·        فحص كل بديل وتجربته للتأكد من نتائجه.

·   الاعتماد على البحث العلمي والتنبؤات باستخدام الأساليب الكمية والإحصائية، وخاصة إذا توفرت الحاسبات الالية التي تساعد في حل المسائل الرياضية المعقدة وبدون توفر الحاسبات الالية يصعب التعمق في استخدام تلك الأساليب الكمية.

4.2 المرحلة الرابعة: اتخاذ القرار:[20] وهنا يتم اختيار البديل الأكثر كفاءة وملائمة، ويتم اختيار البديل المقترح عادة على عدة أسس لابد من الاخذ بها عند اتخاذ القرار وهي:

·        ان يزن الإداري بين الحجج المؤدية، والحجج المضادة للبدلين ليتبين ما له وما عليه.

·        ان يكون البديل محققا لمردود سوءا في الموارد، او بكفاءة العمل او الخدمة المقدمة.

·        ان يكون البديل أكثر تحقيقا لأهداف المقترحة.

·        التأكد من واقعية البديل.

5.2 المرحلة الخامسة: تنفيذ القرار والمتابعة: يجب على متخذ القرار اختيار الوقت المناسب الإعلان القرار حتى يؤدي القرار أحسن النتائج، وعندما يطبق القرار المتخذ، وتظهر نتائجه يقوم المدير بتقويم هذه النتائج ليرى درجة فاعليتها، ومقدار نجاح القرار في تحقيق الذي اتخذ من اجله.[21]



[1] أحلام سعدي، فتيحة بن رية. دور نظم المعلومات في عملية اتخاذ القرار. مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماستر. قسم مالية ومحاسبة. جامعة محمد بوضياف مسيلة.2018/2019.ص17.

[2] أميرة مدفوني. دور نظم المعلومات في اتخاذ القرار. مذكرة مكملة لنيل شهادة ماستر. قسم العلوم الاجتماعية. جامعة العربي بن مهيدي ام البواقي.2015/2016.ص65.

[3] زوينة بوساق. مجلة مسار الحرية. الجزائر. massaralhurriyya.wixsite.com.اطلع عليه بتاريخ 26/12/2020 الساعة 21:15.بتصريف.

[4] عبد العزيز النجار. الإدارة الذكية. المكتب العربي الحديث.اسكندرية.2008.ص57

[5] محمود حسن الهواسي، وحيدر شاكر الرزنجي. مبادئ علم الإدارة الحديثة. 2014.ص40

[6] أحلام سعدي، وفتيحة بن رية. نفس المرجع السابق.ص17

[7] جاسم محمد الذهبي، ونجم عبد الله. مبادئ الإدارة العامة (منظور استراتيجي شامل). مكتب الجزيرة للطباعة. بغداد 2005.ص101.

[8] نوال عبد الرحمان محمد الحوارني. مقارنة بين كيفية اتخاذ القرار بين المدراء والمديرات. مذكرة لنيل شهادة الماجيستر. قسم إدارة اعمال. جامعة الإسلامية.غزة.2013.ص10.

[9] أحلام سعدي، وفتيحة بن رية. نفس المرجع السابق.ص18

[10] محمود حسن الهواسي، وحيدر شاكر الرزنجي. نفس المرجع السابق. ص41

[11] جمال يوسف. محاضرة نظريات القرارات الإدارية. مكتبة نعمة للخدمات الطلابية. 2016.ص14

[12] جمال يوسف. نفس المرجع السابق. ص15

[13] سهام عزي. دراسة المقاربة الكمية في اتخاذ القرارات الإدارية. مذكرة تخرج ضمن متطلبات نيل شهادة ماجستير. قسم العلوم التسيير. جامعة الجزائر 3. 2011/2012.ص24و25.

[14] جمال يوسف. نفس المرجع السابق. ص15

[15] جمال يوسف. نفس المرجع السابق. ص16

[16] جمال يوسف. نفس المرجع السابق. ص16

[17] محمود حسن الهواسي، حيدر شاكر البرزنجي. نفس المرجع السابق.ص41

[18] أميرة مدفوني. نفس المرجع السابق. ص.21

[19] أحلام سعدي، فتيحة بن رية. نفس المرجع السابق. ص22.

[20] أميرة مدفوني. نفس المرجع السابق. ص70.

[21] محمود حسن الهواسي، حيدر شاكر البرزنجي. نفس المرجع السابق. ص43.